كيف تغيرت اتجاهات المستهلك بعد أزمة كوفيد-19؟
أولاً: انعكاس الأزمة على التوجه العام للمستهلك:
تأثر سلوك المستهلك بفرض التباعد الاجتماعي، الذي بالمقابل، عزز التواصل الاجتماعي الإلكتروني محققاً استفادة أكبر من تجارب الآخرين لشراء أكثر نجاحاً. حيث أصبح المستهلك أكثر خبرة، وأكثر اهتماماً بالتغذية الجيدة على سبيل المثال، وبصحته، وفي سلوك انفاقه.
كما أن الحجر الصحي، والمكوث في المنزل لفترات طويلة، خلق هوايات واهتمامات جديدة لدى المستهلكين، تؤدي إلى خفض الطلب على منتجات بعينها (سلع أو خدمات)، حيث وجد المستهلك وقتاً لصناعتها بنفسه، ويؤدي ذلك إلى تغير في العادات اليومية، كارتياد المطاعم مثلاً. من جهة أخرى، ينصرف المستهلك عن تتبع الموضة واقتناء الهواتف الذكية بشكل مستمر، والسيارات، وغيرها، باعتبار أن هنالك قضايا أكثر أهمية تستحوذ على تفكيره.
إذاً، زيادة وعي المستهلك، وتغيير عادته الاستهلاكية، وتولد اهتمامات جديدة تتركز نحو المنتجات الأساسية، ومكان وكيفية تقديمه، فضلاً عن المفاضلة بين سلعة ما وبدائلها، ومدى قدرته على تغيير سلوكه حيال ذلك. سيكون المستهلك أكثر عقلانية، سيخفض معدل مصروفاته، على حساب زيادة الادخار وليس الاستثمار، لشعوره بأن الادخار أكثر أمناً، سيما وأن المدخرات تسهم في تلبية الاحتياجات الهامة عند ارتفاع الأسعار. لذا، يفكر المستهلك اقتصادياً، ويتجنب النفقات العشوائية، كما سيكون أكثر قدرة على التخطيط المالي، معتمداً لسياسة الاحتفاظ بالقرش الأبيض لليوم الأسود.
ثانياً: الاستجابة على مستوى سلوك المستهلك:
نتحدث هنا عن توجه المستهلك نحو عناصر المزيج التسويقي:
- الاتجاه نحو المنتج
بعد انحسار الأزمة، فإن سلوك المستهلك سيركز على شراء السلع الأساسية على حساب الكمالية. إن لم يصبح سلوكاً دائماً فإنه على أقل تقدير سيستمر لفترة طويلة. يميل أيضاً إلى الشراء بالجملة وبكميات كبيرة وتخزين السلع الغذائية الأساسية والصحية. وسيكون أكثر سخاءً في الانفاق على أدوات التنظيف والتعقيم والعناية الشخصية، حيث سينفق أكثر من موازنته المعتادة على هذه المنتجات.
من جهة أخرى، إذا تنبهت الحكومات إلى أهمية دورها، فإنها ستضع سياسات لتعزيز المنتج المحلي، عوضاً عن الاستيراد لصعوبته وخطورته خلال الازمة. ظهر ذلك جليا في الأزمة عندما وجد المستهلك نفسه معتمداً وواثقا في المنتج المحلي، ومتجنباً للمنتج الأجنبي سيما تلك التي ارتبط منشأتها بالأزمة كالمنتجات الصينية. وقد ينعكس ذلك على سلوكه حتى بعد انحسار الأزمة، فيكون صديقاً لمنتجات محلية لم يعتد على استخدامها.
أدت الازمة إلى شعور المستهلكين بالحرص واليقظة، نتج عن ذلك انخفاض الطلب على السلع الفارهة، وتركز الاهتمام على السلع الأساسية والاستهلاكية، عوضاً عن التفكير بشراء المنازل والسيارات والرحلات وغيرها. كما سيكون المستهلك أكثر وعياً في طريقة الحكم على السلع الأساسية أيضاً، وكيفية المفاضلة بينها.
- الاتجاه نحو السعر
يتجه المستهلك لتحقيق أفضل اشباع بأقل الأسعار. لكن، ورغم أهمية السعر في تحديد الطلب والكمية المطلوبة إلا أن هذا التأثير يبقى محدود. والسبب أن السلع التي تهم المستهلك سيكون مستعداً لدفع ثمن أكبر للحصول عليها بالنوعية التي تشعره بالأمان. تماماً كما أنه زاد الارتباط بالذهن أيضاً أن السلع الأغلى هي الأفضل، وبالتالي سينفق أكثر لشراء احتياجات أساسية أكثر جودة.
- الاتجاه نحو الترويج
سيكون المستهلك أكثر اتزانا في التعرف على المنتجات وخصائصها. سيكون أقل انجذاباً نحو مغريات الترويج كالهدايا المجانية، وسيفكر جيداً قبل الانفاق على سلعة يرى أنها غير ضرورية. فسلوك الشراء يعتمد على المنتجات الضرورية التي تشكل أهمية خاصة للمستهلك سيما إن توقع شح الموارد المالية. سيفكر المستهلك أكثر عندما يشاهد الإعلان التجاري، وسيكون أكثر موضوعية وحذراً عند الاستجابة.
- الاتجاه نحو مكان التسوق:
خلقت أزمة كوفيد-19 مستهلكاً أكثر وعياً بالتسوق الإلكتروني، وأكثر جرأة وثقة في الشراء عبر الانترنت، لذلك سيبحث دوماً عن أسواق ومنتجات جديدة. وسيصبح التسوق الإلكتروني جزء من نهج المستهلك حتى بعد انحسار الأزمة، وبالتالي لن يكون للبقالة أهمية كبيرة كما كانت. أما في الشراء التقليدي، فسيكون المستهلك أكثر انفاقاً على خدمات التسوق والتوصيل، وسيفضل المحلات الأقرب، وسيكون خيار المفاضلة في الأماكن الأبعد مرتهناً لمدى الشعور بالمخاطرة مقارنة بتفاوت الفائدة والأسعار.
وأخيراً، دروساً عدة تعلمها المستهلك في هذه الأزمة، والتي أثرت على نمط حياته وطريقة تفكيره. فقد وجد بعض المستهلكين أنفسهم ضحية لخداع بعض الشركات، أو ربما أنهم قد بالغوا في شراء بعض المنتجات، أو كانوا متسرعين بالإنفاق دون وجه حاجة. في المقابل، كان آخرون حكماء، وتصرفوا جيداً خلال الأزمة. لكن، القضية الأهم، أن أزمة كورونا قد خلقت مستهلكين جدد، باحتياجات وتوجهات مختلفة. المستهلك سيكون أكثر وعياً، أمامه خيارات متنوعة، وهذا الأمر سيضع الشركات أمام تحديات جديدة سواء على صعيد مواصفات المنتج نفسه أو طريقة تقديمه. وعلى الشركات نتيجة لهذا التوجه، أن تكون أكثر استعداداً لمنافسة من نوع جديد أو لتحديات جديدة.
المراجع:
Sa’ati, Amin (April 19, 2020) The Behavior of the Saudi Consumer in Post-COVID, aleqtasadia. Available at https://www.aleqt.com/2020/04/19/article_1808506.html
Al-shareef, Maha (May 7, 2020) Post-COVID Consumer Behavior, Aljaazirah. Available at http://www.al-jazirah.com/2020/20200507/du4.htm
Alroeya, (April 16, 2020) Corona’s spread directs consumer behavior towards e-commerce
Attaba’a, Maria (April 6, 2020) How will the Corona crisis change consumer behavior in the future? Aljazeera.
Awaies, Iyhab, (April 2, 2020) Corona crisis and framing consumer behavior in the media, Alaraby Aljadeed.
Raki, Derradji and Lradi, Sofian (2018) The Role of Consumer Behavior during World Crisis in Determining Marketing Strategies in the Economic Organizations, The Journal of Development and Prospecting for Research and Studies, Vol. 3, No. 5.
Comments
No comment yet.