ملامح المؤسسات بعد أزمة كوفيد-19
يشهد العالم اليوم تحولات دراماتيكية نتيجةً لتفشي وباء كورونا. انعكس ذلك على المؤسسات التي ليست بمعزل عن الاستجابة لتلك التغيرات. تعمل المؤسسة لخدمة عملائها، الذين سيكونون أكثر حذراً وأكثر وعياً وإدراكاً وأكثر تطلباً وبالمقابل، ستضطر المؤسسات لبذل جهود مضنية لتوفر منتجاتها بطرق مبتكرة. لذلك، إن أزمة كورونا ستعلم المؤسسات درساً مهماً في تحديد ومعالجة التحديات وجوانب الضعف، والاستعداد الجيد للمستقبل.
يرى الكثيرون بمن فيهم قادة الكثير من المؤسسات أن شكل الأعمال والمؤسسات سيكون مختلفاً بعد الجائحة عما كان قبله، وإليكم أهم ملامح الاختلاف
1. التحول نحو الأتمتة والعمل عن بعد
ستتبنى العديد من المؤسسات استراتيجيات العمل عن بعد عوضاً عن العمل التقليدي ولو بشكل جزئي، وستزيل الحواجز الافتراضية، وتوسع استخدام تطبيقات الانترنت في أعمالها. سيتزايد الطلب على الخدمات الإلكترونية، وستكون مؤسسات المستقبل أكثر رقمية وتمارس العديد من أعمالها الداخلية من خلال المنصات والبرامج الإلكترونية وستقدم العديد من خدماتها لعملائها بنفس الطريقة. سيساعد ذلك في أن تنتعش بعض القطاعات، كالتعليم عن بعد، وتقديم الاستشارات، والتدريب وغيرها، وهو ما يمكن أن يفتح آفاق جديدة للعديد من المؤسسات
2. التغير الفيزيائي للمؤسسة
ستعتمد المؤسسات على مقرات وأبنية أصغر من ذي قبل، في أماكن محددة متباعدة جغرافياً، وسيعزز ذلك الإدارة عن بعد، ومن أماكن مختلفة، وبالتالي ستخفض المؤسسات من أصولها الثابتة كالمكاتب التقليدية والأبنية، كما ستحقق وفورات تكلفة المورد البشري. ستتبنى المؤسسات هياكل تنظيمية أكثر تسطحاً، ذات قنوات اتصال مباشرة، أما اجتماعاتها فستكون عبر تطبيقات الكترونية، ربما سيكون السفر لضرورات قصوى، مع الاحتفاظ بكلفة اتصال منخفضة ذات كفاءة عالية.
3. سياسات وأنظمة عمل جديدة
سوف تحطم المؤسسات قيود البيروقراطية، وستبدو أكثر مرونة في صياغة السياسات. سينصب تركيزها على مستوى الإنتاجية وجودة المخرجات، وستمنح العاملين مرونة أكبر في ظروف العمل، وهذا سينعكس ايجاباً على التوازن بين الحياة والعمل. هذه المؤسسات بالطبع ستكون مضطرة إلى إعادة صياغة هيكل الأجور، وطرق الاستقطاب والتعيين، وكذلك سياسات المتاابعة والتقييم.
4. التفكير والرشاقة الاستراتيجية
لن يبقى التفكير فيما بعد جائحة كورونا كقبلها، ستتحول المؤسسات في أنماط التفكير التي تجعلها أكثر حذراً وحساسية للأزمات، وتتزايد قدرتها دوماً على توليد البدائل، وبناء تحالفات، والتخطيط بالسيناريو. ولعل تبني المؤسسات أيضاً لمنهج الرشاقة الاستراتيجية سيجعلها أكثر إدراكاً لأهمية قراءة المستقبل بتبصر، وتطوير الاستراتيجيات بطرق مبتكرة، بجانب الاستثمار المباشر والسريع للفرص المتولدة، كفتح أسواق لم تكن موجودة من قبل. ستكون المؤسسات أكثر قدرة على التنبؤ بالمفاجآت، حيث يعزي الخبراء 96% من أسباب فشل المؤسسات وقت الأزمة إلى عدم تمتعها بالرشاقة الاستراتيجية، فالمؤسسات لا يمكنها إيقاف الأمواج، ولكن بإمكانها تعلم ترويضها والاستمتاع بها.
5. الاستثمار في المعلوماتية وأنشطة البحث والتطوير:
ستكون المؤسسات أكثر اهتماماً بأنظمة المعلومات، وبتحديثها بشكل يومي، كما ستعتمد على استخراج وتحليل البيانات الضخمة، لما لها من دور جوهري في اتخاذ القرار الفعال والتنبؤ بالمستقبل. كما ستتجه نحو الاعتماد على الحوسبة الفائقة، وتعزيز التعلم الآلي، واستخدام أنظمة التحكم عن بعد، وسيتزايد إنفاق المؤسسات على أنشطة البحث والتطوير، وربما تزيد من استعانتها بالمستشارين والخبراء.
6. مورد بشري أقل لكن بكفاءة أعلى:
ستتجه المؤسسات نحو إعداة التفكير في أعداد موظفيها ونوعيتهم بسبب الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا، في المقابل سوف تعتمد على القوى العاملة المبدعة والموهوبة. سوف تزيد من محفزات التعلم التنظيمي، وتعيد صياغة أدوارها الوظيفية. ستحظى تلك المؤسسات بمورد بشري فريد ومؤهل، لديه وعي تجاه إدارة الأزمات واستغلال الفرص. المنظمات التي سمحت بتوظيف التعليم المنزلي، والعمل من المنزل سعياً لتحقيق التباعد الجسدي، فإنها ستحظى بمورد بشري ذو كفاءة عالية وولاء خلال وعقب انتهاء الأزمة. سيشعر الأفراد أنهم أكثر قرباً من أرباب العمل مع غياب الطبقات الإدارية المتعددة نتيجة التواصل المباشر.
هل يمكن معرفة أي المؤسسات ستكون أكثر قدرة على التحول من غيرها؟ بلا شك، هناك عوامل كثيرة تتدخل في هذا الأمر، إلا أنه يمكن بشكل عام التنبؤ بذلك من خلال النظر في طريقة استجابة تلك المؤسسات للجائحة والتي تنحصر بشكل رئيسي في الأشكال الثلاثة التالية
أولاً: الاستجابة البطيئة أو عدم الاستجابة:
تعكس ردود أفعال المؤسسات البطيئة والمرتبكة، أو تلك التي فشلت في إدارة مواردها بذكاء، ولم تواكب التحولات واسعة النطاق، ولم تستجب لتوقعات عملائها، ولم تحظ بقيادة قادرة على التغيير. بلا شك، إن لم تنتهي تلك المؤسسات فإنها ستتراجع كثيراً وستحتاج وقتاً طويلاً للتعافي. ليس بالضرورة أن يكون فشل الإدارة هو السبب، بل ربما في التوقف الكامل لأنشطتها وتعطل نموذج عملها. مثال ذلك، تعطل سلاسل التوريد، وتوقف أنشطة شركات السياحة والسفر، التي ستحتاج إلى فترة حتى تنهض من جديد. هذه المؤسسات سيكون لديها شوطا طويلا في التحول لشكل جديد وستحتاج لبذل جهد كبير في إعادة بناء نموذج عملها وتطوير قدرتها على الاستجابة السريعة والتأقلم والتغيير وقد ينتهي بالكثير منها مع طول أمد الأزمة خارج المنافسة وخارج السوق.
ثانياً: الاستجابة المستدركة:
وهنا نصف المؤسسات التي تأخرت قليلاً في الاستجابة لهذه الجائحة، ولكنها استطاعت بعد بذل جهد كبير أن تتدارك ذلك، ونجحت في التعامل مع الأزمة بمرونة والمحافظة على الذات. ستكون هذه المؤسسات قادرة على التكيف مع الواقع الجديد في المدى القريب، وستبذل جهدها للبقاء على قيد الحياة. ستحافظ بالغالب هذه المؤسسات على أعمالها بخسائر محتملة، لقد أدركت أن الإنحناء للعاصفة يساعدها في تجاوزها، وبالتأكيد سيشهد شكل أعمالها شكلا ملحوظا من التغيير.
ثالثاً: الاستجابة الفورية:
وتصف المؤسسات التي نجحت في الاستجابة المبكرة للأزمة، بمرونة عالية، وردود افعال ذكية، وخطوات معدة سلفاً لمواجهة الأزمات. إنها مؤسسات استطاعت أن تتعامل بمسؤولية عالية، وأن تقرأ ما بين السطور، وحولت الأزمة إلى فرصة. بدأت هذه المؤسسات تأخذ هذا الشكل الجديد الذي وصفناه سابقا وستحظى بفرص أفضل ومستوى متقدم في المنافسة مع انحسار الأزمة.
حتماً سيكون المستقبل ما بعد أزمة كورونا ليس كما قبلها. دروس عدة تتعلمها المؤسسات، ورغم مرارة الخسارة؛ فلا زالت تجارب المؤسسات رصيد من الخبرة يمكنها من تخطي أزمات قادمة. ستكون المؤسسات أكثر استعداداً على الدوام للعمل في عالم متغير. ستلعب دوراً أكبر بموارد أقل، ستصل إلى فرص جديدة، وستكون اهتماماتها متجددة دوماً. لن تضع المؤسسات الناجحة بيضها في سلة واحدة، ستكون أكثر تعاضدا وتعاونا، وتركز على الجدارات المحورية المطلوبة كشرط لنجاحها. ستبني المؤسسات تحالفات مع شركاء جدد داخليين وخارجين، ستفكر عالمياً وتنفذ محلياً، إنها حتماً ستتبنى ثقافة تنظيمية متفتحة، ذات قيم ومعايير جديدة لم تكن موجودة من قبل، وستكون المؤسسات أكثر قابلية وقدرة على الاستعداد للتغلب على الأزمة التالية.
المراجع:
Deloitte, (2020), COVID-19: Orchestrating the recovery of organizations and supply chains.
Boland, Brodie ; De Smet, Aaron ; Palter ,Rob ; and Sanghvi, Aditya (June, 2020) Reimagining the office and work life after COVID-19, , McKinsye & Company.
Keshek, Ashraf (April, 2020) Corona Crisis: The implications and mechanisms adopted by countries to manage the crisis, DERASAT, Bahrain Center for Strategic, International and Energy Studies.
Al-Subaie, Fatima (April, 2020) Overview: Use of technology in the emerging Corona Virus crisis, DERASAT, Bahrain Center for Strategic, International and Energy Studies.
Federal Authority for Government Human Resource, (May, 2020) People Priorities in Response to COVID-19, HRECHO Specialized Biannual Magazine, No. 12.
Keshek, Ashraf (May, 2020) Corona Crisis: International Relations After the Corona Crisis: Strategic Options for the Gulf States, DERASAT, Bahrain Center for Strategic, International and Energy Studies.
Craven, Matt; Mysore, Mihir and Wilson, Matthew (May 13, 2020) Risk Practice: COVID-19 briefing Note, McKinsye & Company.
Taha, Salah (May 27, 2020) Strategic agility: How do organizations overcome the Corona crisis with minimal losses? Aljazeera.
McKinsye & Company (June 1, 2020) Global health and crisis response, COVID-19 briefing Note.
Comments
No comment yet.