الرؤية السعودية .. قراءة في المؤشرات والتحديات
وفي قراءة أولية لهذه الوثيقة نقف على مجموعة من المؤشرات التي تعبر عنها هذه الرؤية والتحديات التي يمكن أن تواجهها المملكة في تنفيذها وبلوغها.
أولاً : هل تختلف هذه الرؤية عن مشاريع التنمية والخطط الطموحة التي سبقتها؟
من حيث المضمون، نرى أن هناك إختلافا جليا في المضمون سنشير إليه في سياق عرض المؤشرات، ولكن من المهم أيضا معرفة الإختلاف في الظروف، حيث أنه من الواضح أن القيادة السعودية، قيادة شابة تحمل طموحا كبيرا، وروحا ريادية، ورغبة في التغيير، إضافة لوجود مجموعة ضاغطة من الظروف الإقتصادية والسياسية والإجتماعية التي لا تترك مجالا إلا لضرورة إحداث نقلات ثورية على كافة المستويات، وإستلهام روح جديدة تدفع الجميع نحو تغيير إستراتيجي في النظرة والمنهج والسياسات.
سابقا كانت تأتي خطط التنمية والتطوير في ظل أوضاع إقتصادية مريحة تتسم بالرخاء، إلا أن هذه تأتي في ظل أوضاع إقتصادية صعبة على الصعيد المحلي والعالمي مما يعطي مؤشرا على جدية العزم في العمل والتنفيذ. ومما يجدر الإشارة إليه أيضا أن هذه الرؤية إتسمت بالمزيد من الوضوح والشفافية من خلال عرضها لبعض القضايا المحلية مثل مشاركة المرأة، نسب البطالة، مساهمة القطاع غير الربحي، ومجموعة من المؤشرات الدولية وموقع المملكة الحالي فيها ووضع أهداف وبرامج لتطويرها.
ثانيا : في قراءة الرؤية تتضح لنا مجموعة من المؤشرات الواضحة أهمها:
الرؤية صيغت بمصطلحات ونكهة محلية، مما يدل على أنها صناعة محلية في الروح والمحتوى كما أنها جعلت البعد والعمق العريبي والإسلامي للمملكة ودورها الرئيسي فيه مرتكزاً أساسياً للرؤية.
الرؤية ذات أهداف واضحة ومحددة مما يساعد على وضوح الوجهة، إمكانية التركيز وتكثيف الجهد، والقابلية للتقييم والتصويب أثناء السير من خلال المراجعات وإجراء التصحيحات، كما أنها تطرح مجموعة واضحة ومحددة من البرامج مثل “داعم ” و ” إرتقاء” و “قوام” و “برنامج التنمية البشرية” للعديد من الأهداف، وهو ما يساعد على تحويلها إلى التنفيذ الحقيقي ويساهم في سرعة الإنطلاق نحو ذلك.
تتوجه الرؤية بشكل واضح نحو الإهتمام بالإنسان، فتبدأ بمحور المجتمع ذو القيم الراسخة، البنيان المتين والبيئة العامرة، وتنتهي بوطن طموح حكومته فاعلة ومواطنه مسؤول، وكلاهما يعتبر الإنسان فيه هو العنصر الأهم.
التوجه الواضح نحو تعزيز دور القطاع الخاص في مشروع التنمية الإقتصادية والمجتمعية من خلال تطوير الشركات السعودية لتصبح شركات عالمية، وتطوير قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة وغيرها، وفي الجهة المقابة تقليل الإعتماد على الدور الحكومي، والتحول الحكومي من دور مقدم للخدمة إلى منظم ومراقب لها.
من الملقت للإنتباه الرغبة في تطوير مساهمة القطاع غير الربحي بالتنمية المجتمعية وزيادة الناتج المحلي من خلال مآسسة العمل في هذا القطاع، وتطوير عمل وآليات وأدوات هذه المؤسسات ودورها بحيث ترتفع نسبة المشاركة في الأثر الإجتماعي لهذه المؤسسات من (7%) إلى (33%) بحلول عام 2020.
التوجه نحو تطوير السياحة وبالتحديد السياحة الدينية مرتكزا على ما لدى المملكة من ميزة تنافسية في هذا المجال ليرتفع عدد الزائرين لبيت الله الحرام من 8 مليون إلى 30 مليون سنويا، وتطوير الخدمات والمرافق اللازمة لذلك.
ثالثاً : التحديات التي تواحه التنفيذ:
بدون شك، إن وجود رؤية ملهمة عمل أساسي نحو التغيير والتطوير،، ولكن الصعوبة الأكبر تكمن في التطبيق. نشير بسرعة إلى مجموعة من أبرز التحديات التي يمكن أن تواجهها قيادة المملكة في إنفاذ الرؤية:
تحدي الثقافة : كما أن محور الإنسان هو محور أساسي في هذه الرؤية فهو كذلك محور مهم في تنفيذها، وعليه فإن إحداث وعي كاف، والتأسيس لثقافة مجتمعية تتجه نحو الإنجاز والرقي والتطوير وتحمل المسؤولية أمر أساسي في المشروع. يقول بيتر دراكر أحد أكبر علماء ومفكري الإدارة في العصر الحديث ” الثقافة تأكل الإستراتيجية على الإفطار Culture eats strategy for breakfast”. في برامج التغيير الطموحة، كثيرا مما تتجه المؤسسات والدول نحو التغيير الظاهري بالخطط والسياسات والإجراءات وتنسى التغيير غير الظاهري في القناعات والسلوك والثقافة وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الفشل.
تحدي التشريع : كثير من الأهداف تحتاج إلى تغيير في السياسات والقوانين من أجل فتح المجال نحو تنفيذ عدد لا بأس به من الأهداف والبرامج. على سبيل المثال لا الحصر تعزيز دور القطاع الخاص، وزيادة عدد الزائرين للمملكة يحتم مراجعة آلية إنشاء الشركات، وقوانين الإستثمار وتغيير في قوانين الحصول على الإقامة والتأشيرات وخلافه.
تحدي الموائمة : الرؤية بحاجة لإنزالها لكافة المستويات وفي كافة القطاعات وإحداث موائمة على المستوى الإستراتيجي والتشغيلي. ” إن بناء مؤسسة رائعة يحتاج إلى 1% رؤية و99% موائمة” كما يقول جيم كولينز في كتابه “أنشئت لتبقى”
تحدي المتابعة والإختبار : ستحتاج هذه الرؤية إلى جهد عال في المتابعة والمحاسبة للتأكد من غد السير نحو تنفيذ برامجها ومشاريعها والتعامل مع كل التحديات والإشكالات، وستحتاج كذلك إلى الإختبار والتصحيح من وقت لآخر للتأكد من تناسقها وديناميكيتها للتعامل مع المتغيرات والتحولات الداخيلة والخارجية.
تحدي التمويل : ستحتاج هذه الرؤية في مشاريعها وبرامجها إلى تمويل، وفي ظل الوضع الإقتصادي الحالي وإنخفاض أسعار النفط يبدو أن هذا الأمر يعد تحديا جليا وبحاجة إلى رسم خطوات واضحة نحو تنويع مصادر الدعم لتحقيق هذه الرؤية
بالمجمل تأتي هذه الرؤية في وقت وسياق مناسبين وأعددت إعداد مهنيا واضحا حاملة رؤية ملهمة ومحفزة وستحتاج إلى تظافر كافة الجهود من كافة القطاعات. آملين التوفيق للملكة قيادة وشعبا في خدمة مشروعهم الوطني ودورهم الريادي في خدمة الأمة.
Ahmed Abounahia, MBA, BSG, Managing Director – Averroes Advisory
Comments
No comment yet.